الدكتور محمد صهود


1. نبذة عن الدكتور محمد صهود

الإسم العائلي:           صهودSAHOD          
- الإسم الشخصي:       محمدMOHAMED     
- أستاذ باحث بكلية علوم التربية -جامعة محمد الخامس، الرباط؛

 -  العنوان الإلكتروني: hist.med12@gmail.com
  

-    الانشغال  بقضايا تدريس التاريخ في مستوى البحث والتأطير والتكوين:
-        الإسهام، ضمن اللجنة التنظيمية للإعداد لندوة دولية نظمتها الجمعية الدولية لديداكتيك التاريخ بمشاركة جامعة محمد الخامس بالرباط بين 22 و25 شتنبر 2004 بالرباط، في موضوع: لقاء التاريخ ولقاء الآخر: تدريس التاريخ باعتباره حوارا بيثقافيا.
(Rencontre de l’histoire et rencontre de l’autre : L’enseignement de l’histoire comme dialogue interculturel.)
-      نشر مقالات وإلقاء مداخلات في مؤسسات جامعية تتمحور حول الجوانب المعرفية والمنهجية في تدريس التاريخ. فضلا عن العمل لسنوات في حقل التفتيش التربوي والتأطير البيداغوجي لأساتذة مادة الاجتماعيات بالتعليم الثانوي؛
-      الإسهام في تأليف العديد من الكتب المدرسية للمادة سواء بالتعليم الابتدائي أو الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي؛
-      الإسهام في إعداد الدليل المنهجي لتأطير المشاركة التربوية للمؤسسات التعليمية في الاحتفال بالذكرى 1200 لتأسيس الدولة المغربية، الذي أعدته وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، للاحتفال بيوم التاريخ: أكتوبر 2008 .
إصدار كتاب:
-      التحقيب التاريخي. إسهام في التأصيل الإبيستمولوجي والمنهجي، الرباط نت، 2016.



2.      معالم المسار العلمي والمهني


 تستهدف هذه المدونة خلق نقاش حول قضايا تدريس التاريخ وإشكالياته النظرية والتطبيقية، وخاصة ما تعلق بمسألة التحقيب التاريخي سواء في مستوى المعرفة العالمة أو المعرفة الديداكتيكية.
وهذا المجهود هو حصيلة مسار علمي وعملي تبلورت فيه إشكاليات وقضايا معرفية ومنهجية وإبستيمولولجية وإسطوغرافية. وسأسرد هذا المسار عبر مراحل ومحطات.

1.2.    المزاوجة بين الإسطوغرافيا والديداكتيك

انطلق اهتمامي بقضايا تدريس التاريخ، سواء أتعلق الأمر بالمستوى التطبيقي العملي أم بالمستوى النظري الأكاديمي، منذ حصولي على الإجازة في التاريخ وتعييني أستاذا لمادة التاريخ والجغرافيا في إحدى ثانويات الدار البيضاء. كان موضوع البحث لنيل شهادة الإجازة هو "الثورات الشعبية في مغرب القرن التاسع عشر من خلال الاستقصا/تلخيص ودراسة"، وكان موضوع الأهلية للتعليم الثانوي هو "الفكر التربوي عند مفكري عصر النهضة/رفاعة رافع الطهطاوي نموذجا"، وهو بحث جماعي. فضلا عن ذلك فقد كان موضوع دبلوم المركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم هو " مساهمة في ديداكتيكية النص التاريخي: عملية الفهم نموذجا". هكذا كانت المزاوجه في الاهتمام بين ما هو أكاديمي وما هو تربوي، وبالتحديد ديداكتيكي، بارزة منذ بداية المسار. ومنذئذ أصبح المسار مرتبطا بالتكامل بين الجانبين. 
2.2.    من الديداكتيك إلى المنهجيات والإبستيمولوجيا: حول تجاوز الصنافات العامة إلى المنطق الداخلي للمادة الدراسية في تدريس التاريخ
كانت النقاشات البيداغوجية، خصوصا بعد التخرج من كلية علوم التربية ونيل شهادة الأهلية للتعليم الثانوي، تتركز حول بيداغوجيا الأهداف(P. P. 0.) ، حيث كانت موضوع محاضرات وعروض وأبحاث ديداكتيكية، وما زاد من حدة النقاشات بصددها وحولها هو تبني وزارة التربية الوطنية لهذه البيداغوجيا رسميا في إصلاح 1985. وكانت مرحلة وقعت فيها تجاذبات بين المؤيدين والمعارضين، وصدرت دراسات وأبحاث في هذه البيداغوجيا.[1]
على أن ما كان يزيد من حدة النقاش هو مدى قابلية مادة التاريخ، بخصوصياتها المعرفية والمنهجية، للأجرأة في ثوب بيداغوجيا مغرقة في الأجرأة بشكل مفرط. فالصنافات التي كانت تعتمد آنذاك كصنافة بلوم، في المجال العقلي مثلا، كانت تبدو قاصرة عن أن تحتوي مكونات الفكر التاريخي منهجيا. هكذا بدأ يطفو على السطح "تيار" يستلهم ما عُرف  بالمنطق الداخلي للمواد الدراسية المتمثل في الخصوصية المعرفية والمنهجية لمادة التاريخ[2]، على اعتبار أن بيداغوجيا الأهداف، وخصوصا الصنافات البيداغوجية،  كانت تريد أن تكون هي المَعين الذي يستقي منه المدرس والديداكتيكي المهارات والأهداف والعمليات العقلية التي يعبئها المتعلم في تعلم المواد الدراسية بمختلف أنواعها، ومنها مادة التاريخ. وكان مفهوم المنطق الداخلي لمادة التاريخ هو المناسبة التي جعلت الديداكتيكين، سواء كممارسين أو كباحثين ومنظرين، ينقبون في الكتابات التاريخية المنهجية والإبستيمولوجية عما يمكن أن يؤسس لهذه الأرضية المنهجية والإبستيملوجية. فقد كان من المتداول  أنه يمكن، بتبسيط للعمليات الفكرية التي يوظفها المؤرخ، أن نجعل المتعلم يفكر كـــ"مؤرخ صغير"، مع جميع الاحتياطات الديداكتيكية والتحفظات  المنهجية والمعرفية التي ينبغي اتخاذها في هذا الباب.
في هذا السياق دفعني الفضول العلمي إلى التنقيب في مراجع تتناول القضايا المنهجية والإبستيمولوجية للمعرفة التاريخية، خصوصا التي كانت لأعلام  معروفين مثل مارو H. I. Marrou [3] وفاين Paul Veyne [4] وعبد اللهه العروي[5] وريكور Paul Ricoeur [6] ودوسيرتوMichel de Certeau  [7]ورايمون آرون Raymond Aron  [8] ...ألخ.
واتضح هذا الاتجاه في البحث الذي أعددته لنيل دبلوم مفتش التعليم الثانوي، وموضوعه: "مساهمة في ديداكتيكية النص التاريخي/عملية الفهم نموذجا". وقد حاولت في هذا البحث أن أقوم بحفر منهجي إبستيمولوجي في كيفية حصول الفهم في الفكر التاريخي، وبناء عليه قمت بتحديد العمليات الفكرية التي يمكن بواسطتها أجرأة عملية الفهم في الفكر التاريخي، أي الفهم عند المؤرخ. وهي مسألة تجعلنا ندرك قصور الصنافات البيداغوجية السالفة الذكر عن أن تستنفد كل العمليات الفكرية التي يتيحها الفكر التاريخي.
في هذا السياق أيضا نشرت مقالات ودراسات ذات منحى منهجي إبستيمولوجي (المفاهيم والمفهمة في تدريس التاريخ (منشورات المركز الأكاديمي للتنشيط والتوثيق والإنتاج التربوي، سطات العدد 18، 2000-2001)، الخريطة التاريخية: من التأصيل الإبستيمولوجي إلى تعريف الحدث من منظور التأويل الجغرافي، المفاهيم في المعرفة التاريخية (1) التصنيف، (2) من التصنيف إلى تحديد المفهوم الجامع ...) 
لقد كان الحديث عن المنطق الداخلي للمواد الدراسية، باعتباره المعين الذي ينبغي أن يمد تدريس المادة بالمهارات والعمليات الفكرية التي ينبغي أن يعبئها المتعلم في درس التاريخ، هو ما أعطى مشروعية الحديث عما أصبح يسمى بالديداكتيك الخاص تمييزا له عن الديداكتيك العام الذي هو في نهاية المطاف بيداغوجيا عامة.
لقد تكونت لدي قناعة فكرية أن البيداغوجيا والديداكتيك العام الذي يمد التدريس بأطر بيداغوجية عامة تتعلق بالهدفية والوسائل والطرائق... لا يمكن أن تكون كافية لتطوير تدريسية مادة ذات خصوصية مثل التاريخ. وهي قناعة فكرية انتهت بأن أصدرت مقالا في الموضوع، نشرته في مجلة التدريس (العدد 7/2015) بعنوان: مفهوم الديداكتيك: قضايا وإشكالات. وقد حاولت فيه البرهنة على وجود حقل معرفي له موضوعه ومنهجه أو مناهجه والتأصيل له معرفيا وإبستيمولوجيا ضمن المعرفة والمنهج التاريخيين  ألا وهو  الديداكتيك الخاص بالتاريخ، في علاقته بعلوم التربية الأخرى و باقي العلوم الاجتماعية.
3.2. تجربة التأليف المدرسي: الكتاب المدرسي والمقاربة بالكفايات، والتحول من المتن إلى الأنشطة التعلمية    
بموازاة هذه الاهتمامات العلمية تبلورت اهتمامات أخرى هي أيضا ذات بعد بيداغوجي ديداكتيكي، وتمثلت في تجربة التأليف المدرسي. وهي تجربة تزامنت مع الإصلاحات التي اضطلعت بها وزارة التربية الوطنية لمناهج المواد الدراسية ومنها التاريخ، وذلك منذ 2002.
 جاءت هذه الإصلاحات في سياق ترجمة مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين خاصة في الشق المتعلق بالمناهج الدراسية والكتب المدرسية، حيث كان الإقرار بتعددية الكتاب المدرسي، وصار تأليف الكتب المدرسية خاضعا لدفاتر تحملات ومفتوحا للتباري بين المؤلفين والناشرين.
فضلا عن ذلك فقد تبنت المدرسة المغربية، في إطار إصلاح المناهج الدراسية، وكما أوعز بذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المقاربة البيداغوجية بالكفايات والقيم، وتبناها منهاج مادة التاريخ في جميع المراحل التعليمية من الابتدائي إلى الثانوي. واتضح بعد ذلك أن هذه المقاربة البيداغوجية تنسجم مع التوجه نحو المنطق الداخلي للمادة السالف الذكر.
 هكذا نجد أن منهاج المادة، في هذا الإصلاح، قام على أساسين؛ أولهما بيداغوجي وهو المقاربة بالكفايات والقيم، وثانيهما منهجي إبستيمولوجي يمتح من خصوصيات المادة معرفيا ومنهجيا. وكان مطلوبا في التأليف المدرسي أن يجسد هذا التصور في بناء الدروس والوحدات الدراسية بما يتلاءم مع مختلف المراحل التعليمية. وهو تحد كبير خصوصا وأن المقاربة بالكفايات في حد ذاتها كانت مجالا لنقاشات نظرية وعملية حتى في البلدان التي تبلورت فيها هذا المقاربة، بحيث إن مفاهيمها واستراتيجياتها كانت ما تزال في طور التبلور.
الواقع أن هذه التجربة كانت مفيدة في مستوى التكوين المعرفي والديداكتيكي، على أنها كانت مناسبة حملت في طياتها إكراهات، وقد تم التعبير عن كل ذلك في مداخلة بعنوان: أفكار وملاحظات حول تجربة لتأليف الكتب المدرسية.
وبموازاة ذلك قمت بدورات تكوينية، لفائدة أساتذة مادة التاريخ والجغرافيا في الثانوي التأهيلي، في موضوع المقاربة بالكفايات، ثم بعد ذلك في بيداغوجيا الإدماج باعتبارها إحدى أشكال أجرأة الكفايات. 
وقد توجت هذه المساهمة في التأليف المدرسي بالمساهمة في إعداد كتاب اعتبر محاولة لتوضيح الرؤية البيداغوجية والديداكتيكية الجديدة للكتاب المدرسي في صيغته الحالية. وعنوان الكتاب: الأسس الإبستيمولوجية والمنهجية والديداكتيكية لتدريس الاجتماعيات بالسلك الثانوي التأهيلي. نموذج الجذع المشترك
إن تجربة التأليف المدرسي تجعل الديداكتيكي في احتكاك مباشر مع ما يسمى النقل الديداكتيكي من المعرفة الأكاديمية إلى المعرفة المدرسية، بكل ما تعني عملية هذا النقل الديداكتيكي من صعوبات معرفية ومنهجية، وما يتخلل كل ذلك من إكراهات.
4.2. تجربة إعداد الامتحانات المدرسية والمهنية والروائز والاختبارات: التقويم من زاوية علمية
ساهمت تجربة المساهمة في إعداد الامتحانات الإشهادية والامتحانات المهنية بمختلف أشكالها وبناء الروائز والتقويمات الخاصة بمادة التاريخ في بعض الأسلاك التعليمية، في استقراء مختلف أدبيات التقويم والدوسيمولوجيا للتمكن من بناء أدوات القياس والتقويم وفق الأسس والمبادئ والخصائص التي طورها البحث في هذا المجال. هكذا مكننا الاطلاع على كيفية بناء الروائز من المساهمة في إعداد الروائز الخاصة بالبرنامج الوطني لتقويم التعلمات للجذع المشترك التأهيلي.
فضلا عن ذلك فإن عملية استقراء المؤلفات البيداغوجية سواء تعلق الأمر بالتعلم أم بالتقويم كانت مصحوبة دائما باستحضار ما اصطلحنا عليه بالمنطق الداخلي للمادة (التاريخ)، اقتناعا منا بأن هناك خصوصية للعلوم الاجتماعية بما في ذلك التاريخ.  ذلك بأن معظم الاجتهادات في وضع أدوات القياس كانت تتم ضمن المواد العلمية والتي لا تخفى خصوصياتها المنهجية والمعرفية.
إن بناء الاختبارات والروائز  عملية تفيد الديداكتيكي خاصة حينما يتعلق الأمر بتعرف حصيلة التعلم عند المتعلمين. وفي هذا السياق فإنه لمعرفة تعلمات التلميذ المغربي في مادة التاريخ لا مناص من استعمال أدوات قياس مبنية بشكل علمي مثل الروائز والاختبارات والاستمارات أو المقابلات أو حتى تحليل إنجازات التلاميذ التي تمدنا، فضلا عن مستوى إنجازهم المهاري والمعرفي، بمعطيات عن تمثلاتهم حول قضايا تاريخية معينة. وفي  هذا الصدد فإنني اعتزم القيام بعمل خاص بكيفية تمثل التلاميذ لبعض القضايا التاريخية بواسطة الأدوات السالفة الذكر، وهو عمل ديداكتيكي يقوم به باحثون ديداكتيكيون في الغرب[1]  

5.2.  تعلم التاريخ وتدريسه وإدماج مفاهيم التربية على حقوق الإنسان والمواطنة
لقد ارتبطت هذه العلاقة بالسياق الذي عاشه المغرب منذ دستور 1992 بعد أن أدمج في ديباجة الدستور تبني حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، وازداد هذا الارتباط خصوصا منذ منتصف التسعينيات بعد أن أسست لجنة مشتركة مكلفة بتنفيذ اتفاقية التعاون الموقعة بين وزارة التربية الوطنية ووزارة حقوق الإنسان آنذاك (1994) من أجل تعزيز مبادئ حقوق الإنسان ومفاهيمها في  المناهج الدراسية بالتعليم الأساسي والثانوي، خاصة تلك التي اعتبرت حاملة لهذه المفاهيم ومنها مادة التاريخ. كما أن الوزارة برمجت تكوينات للمفتشين والمدرسين بعضها ذو طابع نظري وبعضها ذو طابع تطبيقي. وقد أثار هذا الإدماج في الواقع إشكالات وقضايا سواء في المستوى النظري أو العملي.
الواقع أن هذه التجربة لم تكن مقتصرة على المنظومة التربوية المغربية فقط، بل لقد عاشتها مختلف الدول الأوروبية وفي القارة الأمريكية. بل هناك بعض الأنظمة التربوية التي أصبح ينظر فيها إلى التاريخ على أنه  مادة دراسية تساهم، وبشكل كبير، في تنمية مختلف أشكال المواطنة والحفاظ عليها في وجدان الفرد، على الرغم من النقاشات الحادة التي أثارها هذا الوضع بين المتخصصين سواء من المؤرخين أو الديداكتيكيين أو المدرسين والمؤطرين[2].
6.2.  البحث في التحقيب التاريخي
تعزز الاهتمام المنهجي والإبستيمولوجي عامة بالبحث في التحقيب التاريخي من زاوية منهجية وإبستيمولوجية. فموضوع التحقيب إذن استمرار لهذا التوجه المنهجي والإبستيمولوجي في دراسة المعرفة التاريخية عموما.
دام البحث في موضوع التحقيب عمليا حوالى تسع سنوات، بحيث خصصت رسالة الماستر لتشخيص واقع تدريس التحقيب وتعلمه في المرحلة التعليمية ما قبل الجامعية، وخصصت أطروحة الدكتوراه لاقتراح نموذج ديداكتيكي لتعلم التحقيب في المرحلة الثانوية التأهيلية.
وقد قمت في الأطروحة بدمج مكونين أحدهما إبستيمولوجي يتعلق بالفكر التاريخي، أي التحقيب كما يمارسه المؤرخ، والثاني بيداغوجي ويتعلق الأمر بالمقاربة بالكفايات، إذ اعتبرت التحقيب بمثابة كفاية تصب فيها قدرات مستوحاة من الفكر التاريخي التحقيبي ذاته.  
كان البحث في موضوع التحقيب فرصة لاستجلاء تمثلات مختلف الفاعلين لمسألة التحقيب، بما في ذلك واضعي المناهج الدراسية والمدرسين ومؤلفي الكتب المدرسية. وكانت النتيجة أنه، فيما يتعلق بموضوعة التحقيب، لا أثر لما وصلت إليه الأبحاث المنهجية والإبستيمولولجية التاريخية في مختلف مستويات الواقع الديداكتيكي. وهذا بالمناسبة هو ذات ما لاحظته نيكول لوتييNicole Lautier  بالنسبة للواقع الفرنسي بصدد دراستها حول تدريس التاريخ بالثانوي[1].
لم يتوقف الاهتمام بالديداكتيك عند هذا الحد، بل تمثل في المساهمة في اللجنة التنظيمية للندوة الدولية: Rencontre de l’histoire et rencontre de l’autre : L’enseignement de l’histoire comme dialogue interculturel.,.  . التي نظمت بالرباط بمشاركة جامعة محمد الخامس سنة 2004. وكانت مناسبة للاحتكاك بديداكتيكيين من مختلف أقطار العالم (أوروبا، الشرق الأوسط، شمال إفريقيا...)، وتبين من ذلك الاحتكاك أن حقل الديداكتيك عموما هو في طور التبلور والتطور، وما زال في حاجة إلى مزيد من استقطاب الباحثين لخدمة قضايا تدريس المادة.

7.2.    من التحقيب إلى الاهتمام بقضايا التاريخ العالمي: مفارقات التاريخ العالمي والتواريخ القومية
إن موضوع التحقيب الذي عالجته في الأطروحة اقتضى مني، في الإطار النظري، استثمار مرجعيتين؛ الأولى منهجية وإبستيمولوجية وتتمثل في المراجع التي تناولت الفكر التاريخي من وجهة منهجية وإبستيمولوجية، وقد أشرت إلى بعضها سابقا، والمرجعية الثانية إسطوغرافية، على اعتبار أنه ينبغي الرجوع الى الكتابات التاريخية التي درست الماضي من زاوية تحقيبية. وبما أن هذه الزاوية واسعة جدا من حيث المقياس الجغرافي، فقد طُرحت مسألة اختيار مقياس محدد لتسليط الضوء عليه بحثا عن مزيد التدقيق والتركيز.
وكان اختيار  المقياس العالمي في النهاية، أي دراسة المحاولات التحقيبية التي تناولت التاريخ العالمي، وهو ما دعاني إلى الاطلاع على حقل تاريخي له خصوصياته وهو التاريخ العالمي. فقد خصصت مبحثا بكامله في الإطار النظري للأطروحة لتاريخية تحقيب التاريخ العالمي. وحاولت إبراز التطور الذي عرفه تحقيب التاريخ العالمي انطلاقا من بعض النماذج.
ازداد فضولي للبحث في التاريخ العالمي منذئذ، بحيث خصصت، مع د. ركوك علال، الفصل الأول من سنة 2014-2015 لدراسة مراجع أساس عن التاريخ العالمي مع طلبة الماستر (تدريس العلوم الاجتماعية والتنمية).
 كان الاطلاع على التاريخ العالمي مفيدا ومثمرا، فقد أعاد هذا الحقل المعرفي للنقاش قضايا إسطوغرافية اعتبرت منتهية في ظل التاريخ الوضعاني أو التواريخ القومية. وهكذا يمكن اعتباره زاوية من زوايا تجديد الكتابة التاريخية من جهة، ومن القضايا التي ينبغي أن ينشغل بها الديداكتيكي من جهة أخرى، خصوصا وأن الأخير  معني بالنقل الديداكتيكي للمعرفة التاريخية من طابعها الأكاديمي إلى الطابع البيداغوجي، كون الديداكتيكي معني بقضايا التعلم من جهة وبوضع تصورات لبناء مناهج تدريس التاريخ من جهة أخرى.
8.2.    " تاريخ البحر المتوسط: تاريخ للتقاسم"، المساهمة في ترجمة مؤلَّف ذي توجه تركيبي وعالمي ترابطي في كتابة التاريخ  
يوافق توجه هذا الكتاب التوجه العالمي في كتابة التاريخ. وهو كتاب ساهمت في ترجمته وكانت هذه المساهمة فرصة للاطلاع على نوع آخر من كتابة التاريخ، تحت إشراف د. مصطفى حسني إدريسي. فهو من جهة ذو بعد تركيبي، ومن جهة أخرى « ذو مقاربة جديدة تقوم على كتابة التاريخ بشكل متوازن بين شمال المتوسط وجنوبه، وقد تبلور هذا المشروع بناء على تصور يأخذ بعين الاعتبار كل المجال المتوسطي والتطور الحديث لعلم التاريخ كما ينخرط بشكل خاص في توجهات التاريخ العالمي. ويقدم مجموعة من الموارد تتكون من كتاب وموقع إلكتروني متعدد اللغات وتكوينات لمواكبة تنفيذ المقررات الوطنية في مادة التاريخ. وهو مشروع يتوجه إلى المكونين والمدرسين ومدرسي المستقبل»[1]. ويتضمن، إلى جانب الفصول الخمسة التي تشكل مجموع الكتاب، دراسة لبعض الحالات التاريخية.
وهو، إذ أتاح لنا الاطلاع على نوع خاص من الكتابة التاريخية يمتزج فيها البعد التركيبي من جهة أولى، والبعد العالمي في كتابة تاريخ مجال جغرافي واسع هو البحر المتوسط من جهة ثانية، والبعد القيمي من جهة ثالثة، فقد كان أيضا فرصة لمعايشة الصعوبات التي تكتنف عملية ترجمة المؤلفات التاريخية.
إن كتابة تاريخ البحر المتوسط من منظور تركيبي للثقافات والحضارات التي تطورت في ضفافه لا يمكن أن تكون  يسيرة وذلك لا بالنظر لضرورة التزام حياد تاريخي فحسب، بل بالنظر لكون مجموعة من التمثلات تكونت وترسخت في ظروف تاريخية والتصقت بالكتابة التاريخية ذاتها. مجمل القول أنه كتاب يندرج في إطار تقارب الحضارات والثقافات وليس تصادمها.
يفيد هذا النوع من الكتابة التاريخية الديداكتيكي خاصة حينما يتعلق الأمر بوضع تصورات منهاجيةcurriculaire  لتدريس التاريخ تكون أرحب وأوسع من الإطار الوطني. إن مسألة توسيع المقياس الجغرافي في بناء المعرفة التاريخية مسألة ذات أثر إيجابي على الوعي التاريخي والحس التاريخي الذي نريد بثه في الفرد.

9.2." موجز تاريخ المغرب": المساهمة في  النقل الديداكتيكي لمؤلف تاريخي تركيبي              
إذا كانت عملية النقل الديداكتيكي في إطار التأليف المدرسي ترتبط بنقل المعرفة العالمة إلى سياق مدرسي ذي خصوصيات، فإن الأمر، في  كتاب "موجز تاريخ المغرب" الذي وضع بناء على الكتاب الأصلي[2] ، يتعلق بنقل المعرفة العالمة إلى سياق أعم وأشمل وهو سياق جمهور واسع من القراء.
إن هذا الموجز يلبي حاجتين أساسيتين: فهو من جهة يلبي حاجة عموم القراء غير المتخصصين والذين يريدون التزود بالمعرفة التاريخية التي تمس بلدهم خلال مختلف الحقب، ومن جهة ثانية يلبي حاجة مؤلفي الكتب المدرسية الذين قد يعوزهم التخصص الذي يتيح، عبر الاطلاع على الدراسات العلمية الجزئية، نظرة تركيبية إجمالية مبنية على هذه الدراسات الجزئية .
جدير بالذكر أن النقل الديداكتيكي ليس عملية تقتصر على تبسيط المحتويات وتلخيصها فحسب، بل هو عملية تقتضي التوفق في تدبير مفارقة تتمثل، من جهة  في الحفاظ على طبيعة المعرفة التاريخية وبنيتها وخصائصها وعدم تشويهها، ومن جهة أخرى في ملاءمتها مع قراء مستهدفين غير متخصصين أو في مستويات عمرية في طور النمو، أي تلاميذ المراحل التعليمية المختلفة.  
2. 10. تاريخ إفريقيا:  تقويم المقاربة الديداكتيكية لمؤلف تاريخي عام    
قامت اليونسكو بتكليف بيداغوجيين وديداكتيكيين من إفريقيا بتجسيد المجلدات الثماني لتاريخ إفريقيا العام في حلة بيداغوجية، وهي تجربة فريدة؛ حيث نهج مؤلفو الوحدات البيداغوجية مقاربة لولبية Spiralaire  تتمثل في كون المتعلم يدرس نفس الوحدات – وبالمناسبة  كل وحدة توافق حقبة من الحقب الخاصة بالتاريخ الإفريقي-، ولكن بطريقة تتدرج من حيث الصعوبة ومن حيث المهارات،  وذلك كلما تقدم المتعلم في السن والمستوى العقلي. فضلا عن  ذلك فقد بنيت هذه الوحدات على أساس المقاربة بالكفايات لكي تنسجم مع التحولات البيداغوجية التي عرفتها مختلف الأنظمة التربوية.  ويتعلق الأمر هنا أيضا بالنقل الديداكتيكي لتاريخ إفريقيا من مستواه الأكاديمي إلى المستوى التعليمي البسيط. 
وقد قمت، في إطار تعاقد مع اليونسكو، بتقويم المقاربة البيداغوجية في تقرير من 12 صفحة، ضمنته مختلف الملاحظات التي يمكن أن تساهم في تطوير هذه الوحدات من الناحية الديداكتيكية. وهي مناسبة تم فيها الاطلاع على خصوصيات التاريخ الإفريقي، والجهد العلمي المبذول في كتابته.






[1]  www.cndp.fr
[2]   تاريخ المغرب تحيين وتركيب، إشراف محمد القبلي، المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، 2012.





[1]  N.  Lautier, Enseigner l’histoire au lycée, Armand Colin, Paris, 1997. P. 97-98.
تراجع أيضا بصدد الموضوع الأطروحة: التحقيب التاريخي: من التأصيل الإبستيمولوجي إلى التعلم المنهجي/ مقاربة ديداكتيكية وفق مدخل الكفايات، ص. 20 )






[1]  N.  Lautier, Enseigner l’histoire au lycée, Armand Colin, Paris, 1997.
[2]  هناك نقاش دائر في كندا حاليا حول هذه المسألة خاصة بين الديداكتيكيين والمهتمين بتدريس التاريخ والمدرسين.






[1]   في هذا السياق تم الاطلاع على مختلف الأدبيات البيداعوجية المتعلقة بالأهداف:
E. Decorte et autres. Les fondements de l’action didactique, Bruxelles, 1990.
L. D’Hainault. Des fins aux objectifs de l’éducation, Paris, Bruxelles, 1985.
V. et G. De Landseere. Définir les objectifs de l’éducation. P. U. F. Paris, 1989.
D. Hameline. Les objectifs pédagogiques en formation initiale et en formation continue. E S F éditeur, Paris 1991.
 C. Birzéa. Rendre opérationnels les objectifs pédagogiques. P U F Paris, 1979.
 Robert F. MagerComment définir des objectifs pédagogiquesDunod.
[2]    من الواضح أن بيداغوجيا الأهداف ( P. P. O.)  تطورت أبحاثها ضمن مواد دراسية تنتمي في غالبها للعلوم الحقة .
[3]  De la connaissance historique, Ed. du Seuil, Paris, 1975.
[4]  Comment on écrit l’histoireEd. du Seuil, Paris,  1970.
[5]   مفهوم التاريخ، المركز الثقافي العربي، 1992
[6]  Temps et récit , Editions du Seuil, T 1 1983, T 2 1984, T 3 1985.
[7]  L’écriture de l’histoire, 1975.
[8]  Leçons d’histoire, Editions Fallois, Paris, 1989. Et Introduction à la philosophie de l’histoire. Essai sur les limites de l’objectivité historique. Gallimard, Paris, 1948.

 يتبع

هناك تعليق واحد: